يخطئ الكثيرون حينما يتخوفون من تنامى التيار السياسى الدينى واقترابه من الاستئثار بمقاليد الحكم فى مصر ويعتبرون هذا التنامى والتعاظم الدينى السياسى ما هو إلا بداية ومقدمات للانقضاض على الدولة المدنية وإحلالها بدولة دينية، ولعل هؤلاء معذورون فلقد ساعدت الآلة الإعلامية لهذا التيار فى تكريس هذا الخوف بما تم ترويجه من تصريحات لرموز هذا التيار تخيف وترعب ولا تطمئن، ولكن المتمعن للمشهد السياسى فى مصر جيداً يدرك أن هناك واقعاً مغايرا لهذا التخوف بل لعله يكتشف أن هؤلاء الدينيين فى مأزق سياسى كبير وضعوا أنفسهم فيه ولا يجدون سبيلاً للخروج منه وهذا يرجع إلى عدة عوامل من أهمها:
1 ـ إن الإسلاميين ليسوا فصيلا واحداً أو جماعة متعددة التكتلات يربط بينها مشروع سياسى واحد اتفقوا عليه ويدفعون من ورائه جميعاً، بل على العكس هم فصائل وجماعات متعددة ومتفرقة لكل منهم مشروعه السياسى الخاص به والذى يحمل فى طياته إقصاء باقى الفصائل وإفشالها.
2ـ هناك صراع بين تلك الفصائل الإسلامية الجزء الأكبر منه مكتوم وغير معلن، وهو قائم على خلاف دينى كبير ويتدرج هذا الخلاف ويتعاظم حتى يصل إلى حد تكفير تلك الفصائل لبعضها البعض ويتم تغليف هذا الصراع بما هو معلن من إدعاء بإن الخلاف سياسى وأن الجميع متفق فى الأصول والخلاف فى الفروع فى حين أن الاختلاف بينهم قد استشرى ليصل إلى الجذور.
3ـ تعجل كل الفصائل الدينية الوصول إلى الحكم منفردة وغلب الظن عليهم جميعاً بأن صناديق الانتخابات هى أسرع الطرق لهذا الوصول دون أن يكون لديهم آليات للاستقرار فى هذا الحكم، وسلكوا نفس مسلك الحزب الوطنى المنحل فى الفعاليات الانتخابية المختلفة ونسوا أو تناسوا أن هناك شعبا قد قرر عدم الرضوخ لأى ديكتاتور قادم ولا يدرون أن هذا الشعب يمكن أن يثور فى وجههم ويقصيهم عن الحياة السياسة كلها وليس الحكم بين ليلة وضحاها.
4ـ الإدراك المتأخر للإسلاميين بأن الثقل السياسى لهم أصغر بكثير مما حصدوا من مكاسب سياسية فى الانتخابات الأخيرة، وأن الوقت صار قريباً جداً ليحققوا لناخبيهم وعودهم التى زعموا أنهم قادرون على تنفيذها وأن هؤلاء الناخبين فى انتظار تحقيق تلك الوعود بمجرد انعقاد أولى جلسات البرلمان الجديد ولم يعد هناك لديهم صبر لقبول سقف زمنى طويل الأجل لتحقيق المطالب، وهو ما يهدد الإسلاميين بانهيار مشروعهم قبل أن يبدأ فلجأوا إلى الخارج للاستقواء به ولا يخفى على أحد الحوار بين أمريكا والإخوان وترحيب الأمريكان بهم والإصرار على مسانداتهم، ولأن مفاتيح كثيرة لاستقرار الحكم فى مصر يقبض عليها الأمريكان دفع السلفيين لمغازلة أولاد العم سام عن بعد وأعلنوا أنهم على استعداد للحوار مع إسرائيل وهو ما رحب به الإسرائيليون فى رسالة غير مباشرة للأمريكان لا تخلو من غزل سياسى غير عفيف.
وهكذا يتكشف على أرض الواقع مدى هشاشة المشروع السياسى الدينى فهو يحمل فى طياته عناصر فشلةه، ولكن الغريب فى الأمر أن القوى الليبرالية لم تتنبه بعد لهذا وتصر على أن تعزو فشلها السياسى للتوحش الدينى دون أن تحاول أن تحلل هذا التوحش وتضعه فى حجمه المناسب أو حتى تحاول تلعب على المضمون السلبى لهذا التوحش فى ظل غياب مشروع حقيقى لتلك القوى الليبرالية وذهب بعضها للهرولة والارتماء فى أحضان تلك القوى الدينية وهو ما يحتاج منا إلى وقفة للتحليل نفرد لها حديثاً آخر.