تحدثت صحيفة "الجارديان" البريطانية فى افتتاحيتها عن دور الولايات المتحدة كدولة عظمى، وقالت إن أمريكا تواجه مفارقة عجيبة، فبينما تظل قوتها العسكرية ذات صدى عالمى، فإن دورها كقائدة للعالم ينتهى بشكل تدريجى، بما يهدد بفوضى عالمية جديدة بعد عقدين من الحديث عن "نظام عالمى جديد".
تستهل الصحيفة الافتتاحية بالقول إن وقتاً طويلاً قد مضى منذ أن أصبح الحديث عما يسمى بالنظام العالمى الجديد أمراً مألوفاً. وقد قدم انهيار الاتحاد السوفيتى فرصة لخلق هذا النظام، لكن بدلا من أستغلال هذه الفرص لخلق بنية أمنية جديدة فى أوروبا، قام الناتو بالتوسع شرقا واستخدام الآلة العسكرية لتعزيز الديمقراطية. حيث سعت المؤسسات العسكرية الغربية ومراكز الأبحاث التى تمولها إلى البحث عن بديل جديد للاتحاد السوفيتى لجعله القوى المضادة. وعندما وقعت هجمات سبتمبر، ظنوا أنهم سيعودون للعمل مرة أخرى. وبدا أن تنظيم القاعدة سيكون الهدف الجديد، خاصة وأنه يحمل بعض خصائص الشيوعية مثل إمكانية ظهوره فى أى مكان فى العالم، كما أنه يمثل عدواً وجودياً تحركة أيدولوجية محددة ولا يمكن احتوائه من خلال المفاوضات.
إلا أن الشىء الغريب، تضيف الصحيفة، هو أن القاعدة قد فشلت ليس بقصف المناطق القبلية فى باكستان أو بمقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن. ولكنها فشلت كبديل أيديولوجى، فشلت فى مصر البلد الأكثر أهمية لزعيم التنظيم الحالى أيمن الظواهرى. وعندما سنحت الفرصة لملايين من المسلمين للتخلص من نير العرب الوحشى، لم يحدث شيئا من هذا القبيل. فالإسلام قد فاز بالفعل ولكنه فاز سياسيا وليس عسكريا، وهو يسعى الآن للتحالف مع "المرتدين" ويقول إنه ملتزم بالشراكة الديمقراطية وحكم القانون.
وكان فشل القاعدة مهما لأن رد الغرب عليه، والذى تمثل فى التدخل فى أفغانستان والعراق قد فشل أيضا، ليس لأن العدو شاق، ولكن لأن المهمة كان من المستحيل أن تبدأ. فمهمة الزحف بدأت بالترويج للديمقراطية ومواصلة بناء الدولة والانسحاب بأى ثمن قبل الموعد المحدد. وأصبحت جودة الحياة فى البلد الذى تركه الجنود الأمريكيون (العراق) أقل أهمية من حقيقة الرحيل نفسه.
وتتابع الصحيفة قائلة، إن الشرق الأوسط تحول من منطقة تحالفات إلى منطقة تراجع فيها دور واشنطن إلى "التفرج"، بعد أن كانت من صانعى الأحداث فيه. وهناك أماكن أخرى من العالم التى كانت بلدانها تمثل حلفاء طبيعين لواشنطن، لكن الصعود الصينى فيا أصبح يهدد ذلك، مثل منطقة الباسيفيك.
وختمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إن المفارقة تتمثل فى أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على الامتداد العسكرى عالميا، لكن دورها كقائدة للعالم ينتهى تدريجيا، وربما يأتى وقتا تُعاد فيه بناء المؤسسات الدولية لملء هذا الفراغ، لكن هذا الوقت لم يحن بعد، ومن ثم، فإن فوضى عالمية جديدة ربما تكون أقرب للحدوث