للحرية ثمن، وثمنها مزيج من الدم والعرق، والشعوب تدفع هذا الثمن عبر أجيال وأجيال، وكل جيل يسلم للجيل الذى يليه حريته خالصة الثمن، أو محملة ببعض الديون، وفى بعض الأحيان يسلم جيل لجيل تركة من ديون.
هذا حال جيلنا مع الأجيال التى سبقته «ولها كل الاحترام والتوقير والتقدير»، فقد تسلمنا الحرية محملة بكثير من الديون، بينما تسلموها هم بحالة أفضل مما سلموها لنا.
لقد دفع جيلى والجيل الذى يليه ثمنا باهظا من أجل الحرية، فقد اضطررنا أن نعيش فى أوضاع مزرية أدت إلى قتل آلاف الشباب بشتى الأمراض، وأدت إلى ضياع مستقبل جيل كامل بسبب تدنى مستوى التعليم، وأدت كذلك إلى هزيمة نفسية ما زلنا نحاول الإفاقة منها حتى الآن، برغم قيام ثورة يناير المجيدة.
ثمن الحرية قد يدفع دفعة واحدة، وهذا قد نراه فى معارك وحروب مباشرة مع العدو المحتل، وقد يدفع فى معارك مباشرة تستغرق عشرات الأعوام، كما حدث مع مصر والجزائر وغالبية الدول العربية، حين تحررت من الاستعمار فى القرن العشرين.
وقد تدفع الشعوب ثمن الحرية بالتقسيط، من خلال التدرج فى الحصول على المكاسب التى يحصل عليها الشعب، بما يمكنه من إيقاف السلطة الغاشمة عند حدودها.
وقد تحدث طفرات أثناء عملية دفع ثمن الحرية، مثل ثورة يوليو مثلا.
وقد تحدث انتكاسات، مثلما حدث فى عام 1954 مثلا.
ما حدث فى ثورة يناير المجيدة هو قسط من الأقساط فى ثمن الحرية، وقد كنا نظن أنه القسط الأخير، ولهذا انصرفنا من ميدان التحرير فى 12 فبراير بعد أن قمنا بتنظيف الميدان فى مشهد لم ير العالم له مثيلا فى الدنيا كلها.
اليوم، وبعد مرور عام على ثورة يناير، أين نقف؟
كيف نرى ما حدث خلال هذا العام؟
هل حصلنا على حريتنا؟
هل ما دفعناه خلال كل الأعوام السابقة، وخلال العام الماضى بالذات، يعتبر كافيا لكى نصبح أحرارا؟
أعتقد– والله أعلم– أن هناك قسطا أخيرا، أو لنقل لقد دفعنا كل الأقساط، والآن بقيت دفعة الاستلام!
أعتقد أن كل المصريين الشرفاء على استعداد لدفع هذه الدفعة فى الخامس والعشرين من يناير القادم.