خيط رفيع هو الذى يفصل بين حرية الرأى والتعبير وحق التظاهر من جانب وبين الغوغائية والهمجية والفوضى من جانب آخر.. لكن للأسف الشديد هناك بعض الناس من يتوهم أن الكل أمر واحد، وأن الاعتداء على المنشآت وتخريبها وسب الأشخاص هى قمة حرية الرأى والتعبير، والحق فى التظاهر يعنى تحقيق المصلحة الشخصية أولا حتى لو تم تعطيل مصالح العامة.
ولا شك أن هاذين الحقين السابق ذكرهما مكفولان فى جميع الأديان السماوية وبموجب الأعراف والالتزامات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
أقول هذا فى إشارة إلى ما يحدث الآن فى ميدان العباسية من محاولة بعض الأشخاص اقتحام وزارة الدفاع – ولا أعرف لماذا – ونشر الفوضى وإحداث بلبلة وجر البلاد إلى سيناريو كارثى وتهديد الأمن، وتعطيل الانتخابات الرئاسية وإرجاء تسليم السلطة إلى إدارة مدنية منتخبة بحلول أواخر يونيو، وإطالة الفتـرة الانتقالية.
إن هناك بعض القوى – الداخلية والإقليمية والدولية – غير سعيدة وغير مرتاحة كلما خطت مصر خطوة إلى الإمام فى طريق الاستقرار والتقدم، فأيضا قبل الانتخابات البرلمانية التى بدأت فى 28 نوفمبر 2011 كانت هناك مذبحة محمد محمود التى راح ضحيتها العديد من الأبرياء، تلك القوى هدفها هو إحداث صدام بين الجيش والشعب بمختلف طوائفه حتى يعلن الأول عن تطبيق الأحكام العرفية وإلغاء الانتخابات الرئاسية وإعادة الوضع إلى المربع رقم واحد أو إعادة سيناريو 1954 لاقدر الله.
هؤلاء الفوضويون ليسوا من الثوار وليس لهم أى صلة بثورة 25 يناير ولكنهم عملاء مأجورين من أجل زعزعة الاستقرار وإشاعة الفوضى وهدم أركان الدولة وهيبتها، وما يحدث هو انحراف على مسار الثورة وسلميتها وأهدافها السامية ومبادئها الشريفة.
كل ما يحدث وما سيحدث هى مسئولية مشتركة بين المجلس العسكرى والبرلمان والحكومة والأحزاب والقوى والتيارات السياسية المختلفة نتيجة للتشرذم والانشقاق والاختلاف بينهم، وسوء إدارة المرحلة الانتقالية ومحاولة بعض التيارات احتكار المشهد السياسى المصرى، ومحاولة تيارات أخرى فرض سياسة الأمر الواقع، وفرض رأيهم باعتباره الرأى الأوحد والأصح وإقصاء أى أفكار أو آراء أخرى.
لا يوجد أى حل آخر سوى نبذ هذا التشرذم وتنحيته جانبا، واتفاق كل هذه الأطراف على إعلاء مصلحة الوطن أولا وقبل كل شىء وتطبيق القانون فى كل أركان هذه الدولة وعلى جميع الأشخاص الكبير والصغير، الغنى والفقير، وسرعة تسليم السلطة إلى رئيس منتخب بحلول أواخر الشهر القادم وعودة الجيش – الذى يكن له كل مصرى الاحترام والتقدير - إلى ثكناته.
إن مستقبل هذا الوطن على المحك إما أن نمر من هذه المرحلة ومن هذا المأزق بسلام وإلا فالوضع القادم أسوأ بكثير مما نتخيل وربما يكون هناك ثورة ثانية أكثر شدة وأكثر ضراوة.