العلاج بالكي
................
هو احد الوسائل الطبية لمعالجة الآلام والامراض
وعلى الرغم من أن عمليات الكي تضاءلت كثيرًا في عصر الطب النووي والعلم الحديث، إلا أن استعماله كطب تقليدي شعبي، مايزال سائدًا حتى تاريخه في معظم البلاد العربية وشبه القارة الهندية وغيرهما.
والكي التقليدي عادة، يتم كما هو معروف باستعمال الحديد المسخن إلى درجة الاحمرار القاتم، وقد يكون المريض غالبًا من البسطاء، الذين يئسوا من استعمال العقاقير والأدوية التي لم تنفع معهم، فلجؤوا إلى الكي، بهدف الخلاص من آلامهم، ولأن الحرارة المرتفعة للحديد المسخن تؤدي في كثير من الأحيان إلى قطع النزيف الدموي، أويخف الألم كثيرًا عند المريض الذي تعرض لكي جلده في منطقة معينة من جسمه، ومن جراء ذلك تختفي مؤقتًا أوجاع المريض السابقة، وتحل مكانها الآلام والأوجاع الناتجة عن الحرق القوي الذي سببه الكي، فيتوهم المريض نجاح العملية، وينتابه إحساس بالشفاء ولكن بعد فترة قصيرة وما أن تشفى الحروق التي سببها الكي، حتى تعود مجددًا نوبات الألم والوجع وربما بشكل أقوى، فيعاود المريض الكي مرة أخرى ويتشوه جلده إثر كل مرة وربما يشفى تمامًا بتوفيق الله، وعندما يحصل تلوث جرثومي للجروح (المكوية) يتعرض المصاب لأمراض أخرى متنوعة هذا فضلاً عن احتمال حدوث صدمات عصبية وزيادة في عدد ضربات القلب، التي قد تظهر فيما بعد، ولاسيما إذا كان المريض يعاني من أمراض قلبية سابقة، كتصلب الشرايين، ونقص التروية الدموية، واحتشاء في العضلة القلبية... إلخ.
الكي في الماضي
.......................
قبل آلاف السنين، كان الكي معروفًا لدى معظم الحضارات البشرية القديمة، حيث استخدمته الحضارة الإغريقية والرومانية والهندية، كوسيلة من وسائل علاج بعض الأمراض المتنوعة، كما اعتمدت عليه الحضارة الصينية لبناء نظريتها المتمثلة بالعلاج عن طريق الوخز بالإبر، والتي أصبح لها شعبية بعد أن تحولت من الطرح الشعبي إلى الطرح العلمي وأصبحت مادة تدرس أكاديميًـا فـي الصــين وفي غيرها..
ولقد كان الأقدمون يجرون الكيّ بقضبان حديدية مجهزة بقبضة خشبية (أو غير مجهزة ) ومنتهية بأشكال مختلفة وبعد أن تحمى هذه القضبان على النار حتى تصير بلون أحمر مبيض أو أحمر قاتم، تكون بها النواحي المختلفة.
وتختلف تأثيرات الكيّ بالنسبة لنوع المكواة ودرجة حرارتها، فالمكواة التي تكون بلون أحمر مبيض يكون فعلها سريعاً، وعميقاً فلا تلتصق بالنسج التي تكويها، بل تقطعها بسرعة ولا تقطع النزف و الألم المحدث بها أخف من المكواة وهي في درجة الأحمرار القاتم، أما المكواة التي تكون بلون أحمر قاتم ففعلها أقل عمقاً، ويلتصق بالنسيج التي تكويها وتخثر الآحينات، وتقطع النزف ويكون الألم بها أشد
وتختلف المكاوي في أشكال نهاياتها الكاوية وفي أحجامها بحسب مكان الكيّ والغاية منه، فمن رام الإطلاع على أشكال المياسم القديمة المستعملة إبّان حضارتنا، فهي مرسومة في باب الكي من كتاب( التصريف لمن عجز عن التأليف ) للزهراوي، ذلك الجراح العربي الإندلسي المشهور . وفي كتابه هذا فضل الكي بالنار على الكي بالأدوية المحرقة ( أي الكاوية ).
الكي عند العرب
..................
ومثلما اهتمت الحضارات البشرية بالكي منذ القديم، اهتم به العرب قبل الإسلام اهتمامًا كبيرًا وقد غالى سكان البادية في هذا الموضوع كثيرًًا حتى أنهم كانوا يعتمدون على الكي، ليس لإيقاف النزيف في الأوعية الدموية المقطوعة فحسب، بل في معظم الأمراض التي كانت تصيبهم، وذلك إلى جانب اهتمامهم (بالفصد) والمعالجة بالنباتات الطبية المتنوعة........
أنواع الكي
..................
قسم العلماء الكي بشكليه القديم والحديث حسب الطريقة المستعملة فيه، إلى عدة أنواع: الأول الكي الحراري بالنار والمعادن المسخنة، بما في ذلك الكي بالوميض الكهربائي، وبنوعيه أحادي وثنائي القطب، والثاني الكي بالمواد الكيماوية، والثالث الكي بأشعة الليزر بإيجابيات استعمالاتها المتنوعة للمناطق الحساسة والدقيقة في الجسم وأخيرًا الكي بالبرودة الشديدة.
وقديمًا كان يعرف الكي بأنه تعريض مساحة معينة من جلد الإنسان أو أحد أوعيته الدموية المقطوعة، للهب النار، أو لقطعة مسخنة إلى درجة الاحمرار القاتم، وكان الأطباء يفضلون استعمال الحديد في الكي، عن غيره، من المعادن الأخرى، بسبب سرعة ارتفاع درجة حرارة انصهاره، وبطء برودته، ويشار إلى أن الزهراوي كان يستبعد دائمًا استخدام المواد الكاوية في عملية الكي، وذلك لأن تأثيراتها تمتد وتتجاوز المنطقة المراد كيّها.
يمارس الكي بطريقتين :
الطريقة الاولى
.....................
الكي المباشر ويشمل على
أ ـ الكي الحارق
وذلك بوضع قطعة من عشبة القدحة المشتعلة أو مسمار حديد على الجسم مباشرة وعلى النقطة المطلوبة أو تركها حتى تنطفىء مخلفة وراءها حرقاً في الجلد وهذا الأسلوب مستعمل عادة في الوطن العربي ..
ب ـ الكي غير الحارق
وذلك بوضع قطعة من عشبة القدحة المشتعلة على الجسم مباشرة وعلى النقطة المطلوبة ، وإزالتها فور إحساس المريض بالألم ثم تكرار هذه العملية لحين احمرار الجلد ولعدة أيام ، وإن تطبيق هذه العملية يعطي نتائج جيدة دون إصابة الجلد بالحرق ..
الطريقة الثانية
الكي غير المباشر ويشمل
أ ـ توضع قطعة من عشبة القدحة المشتعلة على شريحة من البطاطا ومن ثم توضع شريحة البطاطس على النقطة المطلوبة في الجسم وتترك لحين إحساس المريض بحرارة العشبة ، وعندها تنتقل شريحة البطاطس وما عليها إلى نقطة أخرى وهكذا حتى يتم تسخين كافة النقاط المطلوبة ...
ب ـ استعمال القدحة المصنوعة على شكل سيجار ، حيث يتم إشعال أحد طرفي السيجار ومن ثن تقريب هذا الجزء المشتعل من النقطة الناتجة عن احتراق السيجار ، يتم التحول لتسخين نقطة أخرى يتم تكرار هذه العملية لحين احمرار الجلد ...
* الامراض التي تعالج بالكي
الكي علاج فعال للأمراض المزمنة مثل :
أ ـ الالتهابات المزمنة ب ـ الاسهال المزمن ج ـ ألم المفاصل
يقول المؤلف من خلال مشاهدات مؤلف كتاب الطب الصيني وجد أن الامراض التي تعالج بالكي في الوطن العربي هي :
أ ـ ألم أسفل الظهر ب ـ عرق النسا ..
الاسلام وحكمه في مسألة العلاج بالكي
.................................................
جاء الإسلام والمغالاة في استعمال الكي شائعة، يعرضون به أجسامهم لآلام النار وتشويهها فيما لا جدوى منه، وما جاء من رسول إلا وكانت له القيادتان الدينية والدنيوية، ومن مهام الدولة نشر مناهج الطب الوقائي، وتقنين ممارسة المهن الطبية، ومكافحة الشعوذة والدجل في الطب وفي غيره.
فأبى رسول الرحمة والإنسانية أن يعذبوا أنفسهم بأوهام لا تنفع، فنهاهم عن الكي وعن الأدوية الوهمية، ووضح لهم أن استعماله مشروط بموافقة للداء، أي بوجود استطباب له .
ورغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تعيد أمته النظر في استعمال أدويتهم الشعبية، التي يمارسون تطبيقها دون استشارة طبيب، وأن يبعدوا عنها المغالات، وأن يقتصروا في تطبيقها على مجالات معينة حيث تفيد، فنبههم إلى أن الدواء، إنما يشفي بإذن الله تعالى، إذا وافق الداء، أي لابد من تشخيص ولابد من اختيار دواء ملائم يستعمل بمقدار وبطريقة موافقين، فقال عليه السلام : " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل "وأورد عليه السلام ذكر الأدوية الشعبية في زمانه، وهي الحجامة المدماة والكي والعسل، فاعترف بأنها لها فوائدها، ولكنه نبه إلى أن استعمالها طبياً، يجب أن يكون موافقاً للداء أي تابعاً لوجود استطباب، وكرر النهي عن الكي والرقى ـ وهي المعالجة الروحية بالقراءات ـ وذلك لشدة الشطط في استعمالها دون مبرر علمي .
1. روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن كان في شيء من أدويتكم، أو يكون في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لدغة بنار توافق الداء وما أحبّ أن أكتوي" قال الحافظ ابن حجر في شرحه (توافق الداء) : فيه إشارة إلى أن الكي إنما يشرع عندما يتعين طريقاً إلى إزالة الداء، وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق ...
أقول : إن الضمير المستتر في كلمة توافق يجوز رجوعه إلى (لذعة بنار) أقرب مذكور ويجوز رجوعه إلى الثلاثة (شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار) .
وهذه الرواية للبخاري هي أدق تعبيراً من الروايات الأخرى التي رواها هو أو غيره في هذا الباب .
أما الاستطبابات الداعية إلى الكي في تلك الحوادث المروية فهي :
أ. قطع النزيف الدموي
ب. معالجة الألم الجنبي
ت. معالجة اللّقوة (أي شلل العصب الوجهي ) .
أ. الكي لقطع النزيف:
لقد استعمل الكي بالنار لقطع النزيف منذ القديم، واستعملت لذلك المكواة التي تكون بلون أحمر قاتم، ولا يزال يستعمل الكي لذلك الغرض في عصرنا الحديث، وإن تطورت الأدلة إلى استعمال المكواة الكهربائية .
ب. معالجة الألم الجنبي بالكي :
ينشأ الوجع المستقر في الصدر عن آفة في غشاء الجنب، أو في الرئة وقد ينشأ عن علة في الجلد أو العضلات والأعصاب الوربية، أو عظام القوصرة الصدرية.
وعلى ذلك فقد ينشأ ألم الجنب عن علة رثوية في العضلات، فيدعى (الوجع الجنبي Pleurodynie) أو عن ألم عصبي وربي Nevralgie Intercostale أو عن التهاب عظم.
ويغلب أن يكون الوجع الناخس Point de cost دليل علة في غشاء الجنب أو الرئة وبحسب اختلاف السبب يختلف شكل الوجع الناخس.
يبدو الألم العصبي الوربي في غصن واحد أو عدة غصون قدامية من الأزواج الصدرية، وهو إما محيطي وإما جذري، ولكل منهما أسباب عديدة، ومن أسباب المحيطي آفات الجنب
ث. معالجة اللقوة بالكي :
اللقوة هي شلل العصب الوجهي Paralysie Faciale والبرد هو السبب الغالبة في إحداثها، فتنسب إليه حينئذ، وتعرف باللقوة الرثوية أو البردية.
وكان يعلل تأثير البرد بالتهاب العصب أو احتقانه وتورمه وانضغاطه في القناة العظيمة التي يخترقها، أعني قناة فاللوب حتى خروجه منها من الثقبة الإبرية الخشائية. وفي السنين الأخيرة علل حدوث اللقوة البردية، بتشنج الأوعية الدموية المغذية للعصب، ولذا أضحت الأدوية الموسعة للأوعية .
وأعتقد أن اللقوة التي استفادت من الكي في العصور الغابرة هي اللقوة الشائعة بالكي أي اللقوة البردية .