Add to Google
هناك من يتحدث عن فشل المجلس العسكرى فى إدارة الثورة، والبعض الآخر يتطاول، ويتحدث بأن الأمر أكثر من سوء إدارة، وأنه سوء إرادة، ولكن أعتقد أن المجلس العسكرى نجح باقتدار فى إدارة الثورة وفرض إرادته.
نجح المجلس العسكرى فى حصار الثورة وحصرها فى ميدان التحرير، حيث حاصرها بالتباطؤ الذى وصل إلى حدّ التواطؤ، وبالإفقار، وحصرها فى الميدان كى لا تخرج عنه، ولتظل الثورة قائمة فى الميدان وعلى كل جوانب الميدان يقف العسكر والشرطة.
نجح المجلس العسكرى بعد شهور من الثورة فى عدم امتداد روح الثورة إلى باقى محافظات الجمهورية، ويمكن استثناء منطقتى فشل، هما الإسكندرية والسويس، لتظل مصر محاصرة بفراغ أمنى وحروب شوارع على طول امتدادها الجغرافى
نجح المجلس العسكرى فى الصناعة، صناعة الكراهية، كراهية الثورة، عليك أن تركب أى وسيلة مواصلات عامة كى تكتشف ذلك، إذا كنت مع الثورة ستجد نفسك مُحاطاً بأسلاك شائكة من البشر، وجالساً على مقاعد من الألغام، ما إن تختلف وتنصف الثورة حتى تجد نفسك قد جرحت نفسك بأسلاكها، وانفجرت فيك ألغامهم، وتتناثر أشلاؤك دون أن يهتم المجلس العسكرى حتى باحترام جثة شهيد الكلمة.
ويضاف إلى النجاح الصناعى الكبير، نجاح المجلس فى التصدير، حيث تصدير أفكار مغلوطة ومشوهة عن الثورة إلى البسطاء الذين يلعنون الثورة دُبر كل صلاة، ونجح فى التأكيد لهم على أن كل الأمن أفضل من كل الحرية !
كذلك نجح المجلس العسكرى فى رفع راية الإسلام، بالمساعدة فى الصعود الإسلامى، وتحييد الإسلاميين عن الثورة تماماً، بكعكة الانتخابات البرلمانية، ووهم البرلمان، ليقوم المجلس و"الداخلية" بتعرية فتاة مصرية يرى العالم أجمع ملابسها "الداخلية"، ويخرج أحد قيادات السلفيين لينكر أن الفتاة محسوبة على التيار السلفى، ويخرج أحد القيادات الإخوانية لينكر أن الفتاة إخوانية.
يتبرأون جميعاً من شرف لا يستحقونه، تلك الفتاة التى عرّت كل من تواطأ، وعرّت كل مَن توارى خلف حجج هزلية لا محل لها من الإعراب، وتحدثوا عن أعذار أقرب للذنوب !
نجح المجلس العسكرى أيضاً فى كشف أعداء الثورة باقتدار، حيث كشف بإدارته للثورة هؤلاء المنقلبين على الثورة، خاصة من أنصاف الإعلاميين وأنصاف الشيوخ، الذين خرجوا كى يؤيدوا ما يفعله المجلس العسكرى على طول الخط، ويلعنون ما يلعن، ولا يجرأون على أن يختلفوا معه، بل ويأتون بحجج يثبتون فيها موقف المجلس العسكرى دون خجل أو حياء.
كذلك نجح المجلس العسكرى فى التأكيد على أن الثورة تحميها الشعوب ولا يحميها العسكر، والتأكيد على أننا لا بد أن نتعلم من تجارب التاريخ، أن معظم ثورات أمريكا اللاتينية بدأت شعبية بامتياز وانتهت بحكم عسكرى ديكتاتورى، كانت البدايات شريفة، وكانت النهايات موجعة، على غير رغبات الشعوب، وكان لأمريكا ونظرية الصفقات دور كبير فى ذلك.
كذلك نجح المجلس العسكرى تحقيق قفزة نوعية فيما يتعلق بالمواطن المصرى، حيث إن المواطن المصرى فى أشهر قليلة تم إهانته أكثر من إهانة نظام مبارك له فى ثلاثة عقود كاملة، عليك أن تعينك ذاكرتك فقط على تذكُّر صورة المصرى الذى تم ضربه بوحشية وقتله ثم إلقاؤه جانب "الزبالة"، ولم يحدث هذا فى عهد الرئيس المخلوع سوى لمواطن مصرى فى اليونان.
عليك أن تغمض عينيك قليلاً كى تتذكر مشهد المصريين الذين استشهدوا أمام ماسبيرو تحت مدرعات الجيش، وهؤلاء الذين فقدوا أرواحهم وأعينهم فى شارع محمد محمود، وأخيراً وليس آخر، ما حدث ويحدث فى شارع القصر العينى
لو لم تعينك ذاكرتك على تذكر الشهداء، تذكر بعض الأحياء قرابة 13 ألف مصرى فى السجون الحربية منذ ثورة 25 يناير، ليؤكد المجلس العسكرى أنه لا يسجن الثوار بل يسجن الثورة ...
الثورة لا تفشل إلا عندما نظن أننا فقدنا المعجزة، فقدنا أنفسنا، فقدنا القدرة على التغيير، ويظل الخوف يسجن الحرية، ويُترَك الفقر يقتل الحلم، ويُولد اليأس على أطلال الأمل، ونتغاضى عن ثورتنا بل نتغاضى عن حقنا فى الحياة !
الشروع فى سرقة الثورة، لا يأتى من قوة المنقلبين عليها، ولكن من ضعف من قاموا بالثورة، وفشلهم فى نشر أفكارهم البناءة، وانشغالهم بأخذ حقهم فى غنائم الثورة التى لم تنته بَعد.
لم تصل الثورة إلى أقاصى الصعيد، حيث الوطن المظلوم هناك، ولم تصل الثورة إلى عشوائيات أحاطت بالعاصمة حتى باتت حزام على وشك أن ينسفها فى أى وقت، لم تصل الثورة إلا إلى أسماء بعض المحلات والمطاعم والكافيهات !
معجزة الثورة تكمن فى يقيننا الثابت أنها باقية، وأنها منحة ربّانية، وأنها كالفعل المضارع تفيد التجدد والاستمرار واستحضار صورة الوطن المفقود والمفتقد، وتكمن فى معرفتنا أن من يتحدث عن انتهاء الثورة هو يتحدث عن نهايتها بل نهايتنا جميعا
معجزة الثورة تكمن فى أنها مِلك للجميع، وليست حكراً لأحد أن يتحدث عنها، أو يركب موجتها كى يصل إلى شاطئ مصالحه الضيقة، معجزة الثورة ليست حكرا لدين، ولا جنس، ولا شخص.
معجزة الثورة أنها حياة.. هل لا تستحق مصر منا تضحية بحجم المعجزة، ومعجزة بحجم الثورة، وثورة بمعنى الحياة؟!
مصر التى هدمت رؤوس أنصاف آلهة، لن تقبل بنصف معجزة، ولا تقبل بنصف حياة، إما ثورة كاملة تعادل حياة وإما الموت فى سبيل ثورتنا، موت بطعم الحياة.
إرهاصات الثورة القادمة يصنعها المجلس العسكرى باقتدار، ويمارسها بشكل أذكى من نظام مبارك المخلوع، الثورة القادمة، ربما لتصحيح مسار يناير الأولى فى 1977، ويناير الثانية 2011، هى يناير الثالثة.