بعد القيل والقال كثر الحديث واللغط والولولة والاستنكار لفوز الإسلاميين بنصيب الأسد فى انتخابات مجلس الشعب، وبغض النظر عن رأى كاتب هذه السطور ومعرفته عن قرب بعدد من الكوادر الشابة بالجماعة التى لم تعد محظورة بين ليلة وضحاها، بل أصبحوا من أوائل المدعوين على موائد المناقشات والمفاوضات مع المجلس العسكرى المرتعش، المجلس العسكرى الذى أهدى مصر وبرلمانها للإخوان على طبق من ذهب، ليس عجيبًا تركيز الإخوان والسلفيين على غزوة الصناديق وانحصار العمل العام عندهم على الانتخابات وعدم تدخلهم فى الأحداث الأخيرة، لاسيما أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، من يعرف الإخوان يعرف أنهم أقرب للنموذج الأوروبى فى النظام، وأنه لا مجال عندهم للخروج عن النص والأولية القصوى الآن هو الحصول على النصيب الأكبر من الكعكة وهو الهدف المرحلى الذى سوف تليه أهداف أخرى لكن كله فى الوقت المناسب، إذن شجب الإخوان لعنف المتظاهرين تجاه الجيش ودعوتهم للاستقرار والتهدئة تتزامن مع الصفقة العجيبة بينهم وبين المجلس العسكرى الذى استطاع بدهاء الثعالب أن يضع الإخوان فى جيبه، عندما يتصور المرء إنه أذكى من الآخرين ويعاملهم على أساس أنهم أغبياء، هنا ممكن أن يرتكب الحماقات دون أن يشعر.
المجلس العسكرى يعلم تماما أن هذا البرلمان لم ولن يرى النور وإذا اطلعتم على كمية الطعون التى حتمًا ستقبل من المحكمة الدستورية سوف تعلمون أن هناك ثلاثين أو أربعين فى المئة من المقاعد سوف تعاد الانتخابات عليها وبالتالى بطلان المجلس ونعود جميعًا للمربع صفر من جديد، لا أمانع شخصيًا من انفراد الإخوان بالأغلبية ولا أخاف منهم على الإطلاق وأكاد أن أجزم أنهم أقرب للنموذج التركى من النموذج الراديكالى التى تحاول الميديا السواريسية أن تجعلنا نموت رعبًا من الإخوان زعما بأنهم سوف يتحالفون مع حزب الله و إيران و حماس والقاعدة وطالبان ونسوا أو تناسوا أن معقل الإسلام السياسى كان فى مصر وأن كل التنظيمات الجهادية انبثقت من الإخوان وتطرفوا هم وبقت جماعة الإخوان كما هى، ولم يزد نشاطها عن العمل الأهلى والدعوى وإن تطلعت الجماعة لتبوء دور سياسى فهذا حقها فللجماعة أرضية هائلة وشعبية تفوق أى حزب آخر ولكن بشرط أن تفصل بين أنها جماعة أو لنقل حزبًا دعوياً وبين أنها حزب سياسى سوف يخوض غمار السياسة بكل ما بها من موائمات والتفاف وصفقات التى لن تكون حتماً نظيفة طوال الوقت.
إلى من يعتقد أنه ليست هناك ثمة صفقة بين الإخوان والمجلس العسكرى أقول له ما هو علاقة إصرار الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح على ترشحه للرئاسة وبين فصله من الجماعة؟.
لا أحب كثيراً لفظ الإسلاميين، لأنه كما لو كانوا هم فقط المسلمون دون سواهم، من باب أولى تسميتهم أحزاب ذات مرجعيات دينية، المعادلة فى ذاتها موجودة فى دول كثيرة تدعى العلمانية، فدوله عظمى مثل أمريكا يتعمد الرؤساء استخدام ألفاظ بعينها ذات خلفيات دينية لطلب ود الناخبين، لا ننسى دولة مثل ألمانيا حيث يحصد دائما وأبداً الحزب المسيحى أصوات الناخبين، المعادلة فى حد ذاتها موجودة وليست حالة مصرية خاصة، لكن المعيار أنهم فى الغرب نجحوا فى احترام الحريات الشخصية والمواطنة فى الوقت الذى يتخبط فيه خطاب بعض القيادات الحزبية لهذه الأحزاب مما خلق حالة من البلبلة لدى المصريين بمسلميهم وأقباطهم.
هذا الشعب الذى يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم صباحاً وإلى السادسة مساء، الذى يزور ضريح الحسين لأنه من آل البيت على الرغم من هويته السنية، الشعب الذى يستمع للشيخ عبد الباسط ولأحمد عدوية، هو قطعاً شعب ليس مصابًا بالانفصام ولكنه شعب وسطى يعشق الحياة ويعمل فى نفس الوقت لأخرته، شعب للأسف تم تضليله و تهميشه عن عمد لمدة عقود طويلة إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه من أمراض فكرية وجهل وتدين ظاهرى أفسد مصر الجميلة، فأصبحنا كالكائن الغريب الأقرب إلى المسخ.
لا أجد غضاضة فى أن يحكم مصر شيخ الأزهر أو الأنبا شنودة، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أو المهندس نجيب ساويرس، مسلم أو مسيحى، رجل أم امرأة، المعيار هو من يستطيع نسيان خلفيته الدينية والحزبية ويقوم بتأسيس دولة مدنية ديموقراطية حديثة تحترم المواطنة وتقدم حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية المتراكمة التى جعلت المواطن المصرى يدور فى ساقية فقط لأجل توفير أقل القليل بالكاد ليكفى قوت يومه، صوتى لن يذهب لأصحاب الشعارات الرنانة ولكنه سوف يذهب للأصلح أيا كان.
لست مع التخوين ولا من أنصار نظرية المؤامرة، الجماعات التى تقود الاعتصامات والمظاهرات والتى ترفض التهدئة ليست طبعاً بخائنة وليست لها أجندات خارجية كما يروج إعلاميون العصر البائد ولكن هم لهم مطالب وهم يرون أن الطرق على الحديد وهو ساخن أقصر الطرق لجنى ثمار الثورة فى ظل مراوغة المجلس العسكرى، هم قطعاً يحبون مصر ولكن بطريقتهم، ربما كانوا خاطئين لكن من الظلم نعتهم بالعملاء، من منا لا يحب الاستقرار لكن من يتابع الأحداث عن كثب يعرف أن هناك تسويفًا ومماطلة من المجلس العسكرى وأن الثورة لم تجن ثمارها حتى الآن بتواطئ من صانعى القرار ولا أدرى سبباً واحداً لأحد يدعى أنه ساند الثورة التى يصفها بالمجيدة وفى نفس الوقت يهدر الوقت فى التستر على الفساد وفرض سياسة الأمر الواقع وإصابة الشعب بالملل والإحباط وجعلهم فى آخر الأمر ينقلبون على الثورة والثوار، على الضحية وليس على الجانى، من يستطيع تفسير القبضة الحديدية للقوات المسلحة على الانتخابات وعدم حدوث تجاوزات ولا بلطجة فى ظل الانفلات الأمنى المتعمد؟ أين ذهب مائتا ألف بلطجى ومسجل خطر من محترفى الانتخابات معروفين بالاسم للدوائر الأمنية؟ وإذا لم يكن الانفلات الأمنى متعمداً أريد تفسيرا لهذه الظاهرة؟ وكيف لمن لا يستطيع تأمين مساحة كيلو متر مربع أو أقل قليلا أن يؤمن آلاف اللجان الانتخابية؟ أسئلة ستبقى حتماً دون رد.
عودة لجماعات الثورة، هناك حتماً العديد من المندسين بين الثوار، سواء كانوا عناصر تخريبية أو شباباً جاهلاً قتلته البطالة واليأس، سواء كان هذا أو ذاك أدعو قوى الثورة الشريفة لأخذ هدنة وإن كانت لأيام معدودة لتنظيم الصفوف ولفظ وطرد كل المندسين الذين ممكن أن يسيئوا لهذه الثورة، أدعو أن تنظم الاعتصامات السلمية فقط فوق الأرصفة وعدم النزول نهائياً من الأرصفة كما يحدث فى الغرب لعدم تعطيل المرور ولعدم الاحتكاك برجال الأمن ويجب أولاً تنقية الصفوف والاتحاد وتنظيم المطالب حتى لا يقول العسكر إنهم لا يجدون من يتفاوض معهم.