كل هذا الخوف من الانهيار الاقتصادى، أو الفزع المصرفى، أو انقلابات البورصة، لم يمنع الملايين من أبناء مصر فى الخارج من مضاعفة قيمة تحويلاتهم المالية إلى البنوك المصرية، لتحقق التدفقات النقدية للعمالة فى بلدان الخليج وأوروبا رقما قياسيا هذا العام، لم يتحقق فى أزهى عصور النظام البائد، وفق تقديرات البنك المركزى.
أنت تعلم أن هذه التحويلات هى جزء لا يتجزأ من خريطة الناتج القومى لهذا البلد، ومن ثمّ فإن هذا الخبر لا ينبغى أن يمر مرورا عاديا، فيمضى فى حال سبيله دون قراءة دلالاته العطرة، فالرسالة من وراء ذلك مشرقة وكاشفة وباعثة على الفرح، إذ تكشف عن ضمير من ذهب لهؤلاء العاملين فى الخارج، وقلب وطنى لم يتغير بفعل الهجرة، ولم تصبه عوامل التعرية تحت قهر الخوف، أو رعب سقوط الدولة. فالمصريون فى الخارج يقدمون درسا فى الوطنية لكل هؤلاء الذين يتآمرون الآن لتحويل ملياراتهم إلى البنوك الآمنة عبر البحار، وإلى رجال الأعمال الذين ترتعش قلوبهم مع كل ضربة فى سوق المال، ويتباكون ليلا ونهارا، ويدعون الناس للبكاء معهم على شبح سقوط الدولة.
المصريون فى الخارج رفعوا راية الجهاد الوطنى بهذه التحويلات، كأنهم يؤكدون للعالم أن أهل هذا البلد لن يسمحوا لأشباح الخوف أن تلعب فى العقول، ولن يتركوا وهم السقوط أن يتمكن من الضمائر، وأنه إذا ضاقت علينا الأرض بما رحبت، فإن سواعد المصريين فى الخارج والداخل ستحمى هذا الوطن من الهاوية، مهما كان الثمن عرقا وجهدا ومالا ودماء.
إلى كل مصرى يعيش فى الخارج أقول: شكرا من كل قلبى.. قلوبكم ودعمكم وأموالكم معنا، فى كل وقت، وفى كل حين.
عظيمة يا مصر.